مراجـعة فيلـم قـبر اليراعات || التجسيـد الـمتكامل لتراجـيديا ~

0

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

قـبر اليراعات أو " Grave of the fireflies " الفيلم المُقتبس من رواية تحمل نفس الاسم و المُستندة على أحداث عاشها المؤلف أثناء طفولته و الذي تمَّ تقييمه على موقع Rottentomatoes بأعلى تقييم 100% كما تم تقييمه على الموقع العالمي Imdb بـ 8.5 ، اليوم سأقوم بالكتابة عن كل ما يجول بداخلي بعد إنهائي لمتابعة هذا الفيلم العظيم (للمرة الثانية) و التحفة الفنية المقدمة لنا من قبل الأستديو العريق جيبلي و بالتحديد المُخرج الراحل Takahata Isao.

 


ملاحظة : سأقوم بتقسيم المراجعة لـ 4 أقسام | المقدمة - الكتابة القصصية - الإخراج - النهاية و كل ما مكتوب مبني على رأيي الشخصي فقط (لأن هناك بعض المتابعين لم ينل الفيلم إعجابهم و لهم أسبابهم الخاصة) و بالمناسبة في بداية التقرير لا يوجد أي حرق و عندما أبدأ بالحديث عن أحداث الفيلم سأقول أن هناك حرق ، أتمنى لكم قراءة ممتعة.

 

الــمقـدمة

 

هنالك نوع من الأفلام "نوع خاص و نادر" لا تكتفي أحداثه بجعلنا ندخُل في جو من الكآبة لمدة زمنية معينة فقط بل تجعل من طريقة نظرتنا لبعض الأمور التي تحصل حولنا في العالم تتغير 180 درجة و الكارثة هي إن كان الفيلم يتطرق لأحداث مستندة على واقع نعيشه يوميًّا في حياتنا أو أمور لم نكن نلقي لها بالًا نهائيًّا مما يجعلك كلما تتذكره و لو برؤية صورة منه تدخل من جديد في جو من القهر النفسي.

 

فيلم " قبر اليراعات " يُعتبر بكل تأكيد أحد هذه الأفلام -إن لم يكن هو متصدرها أصلًا- ، أنا شخصيًّا كنت كلما أرى أو أسمع عن هذا الفيلم أتفادى متابعته من عام 2014 و هذا لسبب واحد فقط و هو أنني كنت أعلم -يقينًا- أنه بعد متابعتي له سيصيبني الاكتئاب لمدة زمنية و تابعته عام 2018 و توقعي للأسف لم يكن في محله بل الشعور بالحزن و القهر النفسي الذي خيّم على نفسيتي وقتها كان أكبر بكثير من ما تصورت و ما زاد الطين بلة هو قراءتي لعدة مقالات و مواضيع تتعلق بالحرب و مخلّفاتها لكن على الأقل لم أندم على متابعتي له فبسببه تغيرت نظرتي لعدة أمور تحدث من حولي.

 

بطبيعة الحال عندما أقول أنك عندما تتابع هذا الفيلم و تكون على علم بأن ما يحصل فيه لا يزال حتى يومنا هذا يحصل في عالمنا ستجد نفسك أثناء متابعته تبكي تلقائيًّا بدون أن تشعر ، ستظن أنني أبالغ في كلامي لكن صدقًا لا يوجد في كلامي أي ذرة مبالغة و ذلك بكل بساطة لأن الفيلم ليس مجرد وسيلة للترفيه على المتابع فقط بل هو عبارة عن مجموعة من الرسائل الإنسانية التي يحملها في طياته يحاول المُخرج إيصالها للمتابعين و يجعلهم يستشعرون الويلات التي يمر بها الأبرياء أثناء الحرب و أبرز رسالة إنسانية يحملها هي أن أطفال أبرياء لا ذنب لهم غير أنهم ولدوا في عالم أصحاب النفوذ و القرارات فيه لا يرون غير مصالحهم الشخصيّة لتحقيق ما يطمحون له و أحد هذه الطرق هي الحروب التي يذهب ضحيتها آلاف الأبرياء و الأطفال.

  

الــكتابـة القصصـية

  


القصة تتمحور حول " سيتا " و " سيتسكو " اللذان يعانيان الويلات بسبب الحرب بين اليابان و أمريكا في الحرب العالمية الثانية و كيف سيكون مصيرهما بعد ما حصل لأمهم ، هذه هي القصة بإختصار شديد و هي اعتيادية لكن طريقة سردها كانت أكثر ما ميزها فبداية الفيلم لوحدها كانت كفيلة بشد انتباه المتابع لمعرفة : ماذا حصل ؟ كيف وصل الأمر لهذه الحال ؟ ماذا سيكون مصير الشقيقين ؟ و تستمر التساؤلات في ذهنك ، لذلك البداية تعتبر ممتازة برأيي و رتم الأحداث كان ممتاز و طريقة تسلسلها مريح و سلس.

 

- لمن لم يتابع الفيلم حرق للأحــداث -

 

 أكثر شيء شد انتباهي و ترك أثر في نفسيتي هي تركيبة الشخصيات القصصية و التي كانت برأيي الشخصي أقوى ركن في هذا الفيلم ، الواقعيَّة في تصرفات الشخصيات كانت من الطراز الرفيع في فن كتابة الشخصيات القصصية و أظن أن هذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتني أندمج أكثر مع القصة و الأحداث ، مثلًا شخصية " سيتا " هو ابن لضابط في البحرية و من المفترض أن يكون ذو شخصية قوية - حازمة - ذو كبرياء عالي !! و أظن أن هذا ما كان عليه أغلب الشعب الياباني في تلك الفترة فلو عدنا لتلك الحقبة فلم تستسلم اليابان لأمريكا حتى بعدما قامت بقصفها بقنبلة نووية في أكثر المدن حيوية في الدولة ألا و هي هيروشيما !! المشكلة أن هذا الكبرياء كان سبب في خسارة فادحة للدولة وقتها و إذا عدنا للفيلم فقرار سيتا بأن يترك بيت عمته و يذهب للعيش لوحده هو و شقيقته في ملجئ لوحدهما كان نابع من الكبرياء العالي الذي يتمتَّع به سيتا حتى أن " سيتسكو " و التي تعتبر طفلة عمرها لا يتجاوز 4 سنوات قالت له لما لا نعيش وحدنا في هذا الملجئ ؟ و هنا سأمر لنقطة أخرى تزيد من واقعية الشخصيات ألا و هي سذاجة هذا القرار طبعًا كلام " سيتسكو " سيراه الأكثرية بمن فيهم أنا شخصيًّا ساذج نوعًا ما و حتى أن قرار سيتا ساذج كونه أكبر من أخته ! من المفترض أنه يعلم أنهما سيعيشان حياة كارثية و سيعود عليه هذا القرار بسلبية و هذا ما حصل فعلًا للأسف لكن إذا عدنا لعمر سيتا فهو بعمر الـ14 سنة أي أنه ما زال مراهق و كلنا نعلم أن هذه الفترة العمرية تعتبر أكثر فترة في عمرنا نقرر فيها قرارات طائشة تتسبب في مشاكل أخرى تنعكس فيما بعد على حياتنا و هنا يأتي دور الوالدين في تقديم النصيحة و مع ذلك فهناك البعض يتجاهل تلك النصائح و يتصرف بسجيته و يندم فيما بعد على تلك القرارات ، المشكلة أن سيتا فقد أمه و والده على ما أظن وقتها كان ميت كذلك و هنا فقد سيتا كل وجهة تستطيع تقديم المساعدة له في معرفة ما يجب عليه فعله و هنا سأمر مباشرة للتكلم عن شخصية إذا كانت الحقارة في هيئة شخصية فستكون عمتهما !!! البعض سيقول أنني أبالغ نوعا ما بهذا الوصف لكن هذا ما رأيته شخصيا و لا يوجد لدي أي منظور آخر يجعلني أفكر في أن لديها ذرة طيبة واحدة داخل قلبها ، في أول مرة أتى فيها سيتا و سيتسكو للمنزل و أخبرها سيتا بما حصل لهم رحبت بهما و تصرفت معهما بلطف هل برأيكم تصرفت كذلك فقط لأنها طيبة أو حنونة ؟ لا بل لأن والدهما يعتبر جندي في البحرية أي أنه و حسب ما كانت تظنه سيرسل لهم الطعام و العديد من الأشياء ريتما يعود ففي النهاية الجنود يتم معاملتهم معاملة مميزة بما أنهم يضحون بحياتهم لحماية الوطن و بعد أن علمت أن والدة سيتا ماتت نصحته بأن يراسل والده و بعدها أصبحت حقيقتها تظهر ببطئ و هذا مشهد بسيط يوضح ذلك حتى أن نظراتها تجاههم تغيرت تماما و كرأي شخصي -أحقر شخصية آنمي ممكن تشوفها هي هذه الشخصية و أحقر نوع من الناس هم على شاكلتها-


كما قلت سابقًا سيتا ذو كبرياء عالي و هذا الكبرياء كان السبب في موت أخته و موته هو الآخر في النهاية فلو كان شخص راشد سيعلم أنه لا يوجد أي حل غير أنه يعود ليعتذر لعمته ليس من أجله بل فقط من أجل أخته ! فما الفائدة من هذا الكبرياء إذا كانت سيتسكو التي تبلغ من العمر 4 سنوات فقط ستموت بطريقة كارثية ؟ لمن تابع الفيلم و لم يتذكر هناك مزارع كلمه سيتا سابقًا و طلب منه الطعام مقابل المال لكنه رفض هذا لوحده قصة كذلك و لن أتكلم عن منظوري الشخصي تجاهه لأن الموضوع سيطول أكثر ، هو نصحه بأن يعود لعمته و يعتذر لها لكن بما أنك ترى فتاة صغيرة بجانبه تموت ببطئ بسبب سوء التغذية ما المانع من تقاسم القليل فقط من الطعام ؟ أو على الأقل مساعدتهما بطريقة ما للحصول على طعام ؟ كمثال عمل يعمله سيتا !!! طبعا هذا الشيء كان من المفترض من زوج عمته أن يفعله لكن بما أن عمتهم لم تحِن عليهم فما بالك بمن ليس له أي رابط عائلي بينهم ؟ حتى أنه لم يبحث عنهما عندما قررا الذهاب و الخروج من المنزل ، لا أريد الإطالة أكثر في الكلام لكن هناك شخصيات ظهرت في الفيلم تجعلك تتيقّن 100% أن الإنسانية تتجرد من قلوب بعض الناس أثناء الحرب و كل شخص لا يفكر الا في نفسه و لا يهتم بما يحصل للآخرين حوله حتى لو كانوا أطفال أبرياء !! ، فمثلًا هناك طبيب ذهب إليه سيتا ليفحص سيتسكو و قد رأى كيف تعاني سيتسكو و تموت ببطئ بسبب سوء التغذية لكنه يقول بكل برود لسيتا -هذه الفتاة لا تحتاج دواء بل فقط طعام- و كأن الأخير لا يعلم أنها تعاني من ذلك و لم يقدم له و لا أي ذرة مساعدة.

 

  

الإخــراج

 

الإخراج -كرأي شخصي- كان سابق لزمانه فمن يتابع الفيلم و يلاحظ جودة التحريك و الرسـم مستحيل يتوقع بأن الفيلم تم إنتاجه عام 1988 !! عمومًا فهذا شيء مُتوقع من استديو كأستديو جيبـلي ، مصممي الخلفيات و منسقة الألوان قدموا فعلًا أداء مُبهر في عملهم خصوصا السيدة " Yasuda Michiyo " التي نجحت في جعل الألوان متناسقة تمامًا مع أجواء القصة و درجاتها مريحة للعين ، غير هذا فحتى تصميم الشخصيات يتناسب تمامًا مع تركيبها القصصي -إن صح التعبير- و قد كان أداء مصمم الشخصيات بجانب المسؤول عن الموسيقى لا يقل عن رفاقهم مما جعل الإخراج شبه مثالي و هناك شيء أثار إنتباهي هو كمية التفاصيل التي إهتم بها مصمم الشخصيات و المشرف عليها :

  




 

مثل هذه التفاصيل الدقيقة جعلتني كمتابع أشعر بالمعاناة التي كان سيتا و سيتسكو يمران بها خصوصًا الأخيرة كونها ما زالت طفلة و قدرة تحملها أضعف بكثير من قدرة تحمل شقيقها ، الموسيقى مستواها كان ممتاز و تناسقها مع نوعية القصة كان رائع بحيث أنها تساهم في جعل الحدث أكثر تأثير على نفسية المتابع و توقيت استعمالها كان نوعا ما جيد لأن هناك أحداث برأيي كان من المفترض استعمال الموسيقى لزيادة تأثير المشاهد على المتابع مثل المشهد الذي وجد فيه سيتا أمه مصابة إصابات خطيرة و ستموت في النهاية بسببها !! و في المشهد الذي أقرّت فيه سيتسكو بأنها تعلم أن أمها قد ماتت و استرجع سيتا ذكريات أمه و هي ترمى مع كومة من الموتى ليحرقوهم و بدأ بالبكاء ، مثل هذه المشاهد مؤثرة جدا و لزيادة مدى الشعور بالحزن لدى المشاهد من المفترض استعمال موسيقى تصويرية لذلك و ليس الاعتماد فقط على كاتب السيناريو و مصمم الشخصيات.

 

النــهايـة

 

أكثر شيء أكرهه هو التكلم عن نهاية هذا الفيلم و السبب ببساطة لأنه أكثر جانب بالفيلم مأساوية و سوداوية كما يقهر نفسية المتابع بشكل يستحيل تصوره ففيه نفقد سيتسكو الطفلة الصغيرة التي كانت ضحية الحرب و كذلك شقيقها سيتا الذي يتمتع بكبرياء كان السبب الرئيسي في وصولهم لهذا المصير


هذا المشـهد من الفيـلم :

 


مهما أعدت مشاهدته بل حتى تذكره فقط يجعل من عيوني تمتلئ بالدموع لا إراديًّا و أجد نفسي أبكي تزامنًا مع سيتا الذي رأى أخته تحتضر أمام عيونه و لم أتوقف عن ذلك إلا بعدما انتهى الفيلم فالمشهد الأخير حرفيًّا كان مأساوي لدرجة مستحيل تصورها ففي نفس المشهد : علم سيتا أن اليابان خسرت الحرب و استسلمت ، علم أن والده قد مات ، أخته ماتت بسبب سوء التغذية أمام عينيه ، استعمال فلاش باك تظهر فيه و هي بكامل طاقتها تلعب و تضحك - حمل سيتا لأخته لقمة الجبل لكي يحرقها بنفسه و يبقى بجانبها حتى تحترق بالكامل ، و هذه هي نهاية الفيلم بكل اختصار و في النهاية مات هو الآخر و اخر كلمة ذكرها هي " سيتسكو ".

 

و سأختتم هذه المراجعة بكلام ذكره الأخ عمر -المترجم- في نهاية الفيلم و قد أعجبني جدا : إلى الشفاه الذابلة و الأجسام الذاوية... التي قضت عذابا تحت سطوة الحرب و الفقر و اليُتم نرفع الصلاة لأرواحكم الطاهرة و نكفكفُ دموع مآسيكم الغائرة فيمن بقي منكم بيننا... تحننوا على فقرائكم و ارحموا أيتامكم مدوا لهم اليد الحانية و القلوب النابضة بالحب ... قبل أن يُلبسهم الفقر كفن الأجل و ثوب الموت... وردة حب و حنان لكل ( سيتا ) و ( سيتسكو ) في العالم.

بدايــة التحريـك باستخدام أوراق السيلولويد

0

  السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

 

في البداية كنت مُـتردد في كتابة هذا المقال بما أنه لم يسبق لي و نشرت مقال يتمحور حول صناعة الأنيميشن الياباني و قد فكرت بالموضوع لمدة زمنية و ذلك لأن هناك العديد و العديد من المقالات التي تطرقت لهذا الموضوع سواء بشكل تفصيلي أو تلخيصي و في النهاية قلت ما المشكلة في كتابته ، عمومًا في هذا المقال و كما هو موضح من العنوان سأتطرق لتقنية كان يتم استخدامها في الصناعة و هي التحريك التقليدي -اليدوي- باستعمال أوراق السيلولويد ، ما لا يعلمه البعض أن أول فيلم آنمي ناطق في تاريخ الصناعة هو " Chikara to Onna no Yo no Naka " عام 1933 من إخراج Kenzō Masaoka (1898-1988) كما كان أول مُخرج يستعمل هذه التقنية وقتها في صناعة الأنيميشن باليابان و قد إبتكر عدة أعمال أخرى ذات جودة عالية -وقتها- كما أنه مهد الطريق للتطوير المستمر للصناعة بعد عام 1945 و ذلك عن طريق تدريبه لعدد كبير من الرسامين و المنتجين في النظام الجماعي الذي كان يتخذه قبل نشوب الحرب ، لذلك حرفيًّا هو مُخرج يستحق كل التقدير و الإحترام بما أنه يُعتبر الأب الروحي للأنيميشن الياباني و العجيب بالأمر أنه لا يوجد أي أحد يتكلم عنه و عن ما قدمه لهذه الصناعة ! ، على عكس صناعة الأفلام في وقتنا الحالي التي يتم فيها إضافة التسجيل الصوتي - الموسيقى و المؤثرات الصوتية في مرحلة ما بعد الإنتاج فقد كان يتم إعداد الصوت قبل المشاهد و اللقطات التي يتم رسمها و إعدادها -في الثلاثينيات- ، كما كان يتم تدوين كل الحوارات و الإجراءات المُتخذة بدقة شبه متناهية و قياسها على الأوراق حتى يُمكن مطابقتها ، و بطبيعة الحال الفيلم الذي تم ذكره في البداية تم إتخاذ هذه الخطوات لإنتاجه و قصته تتمحور حول رجل يعاني من خوف شديد من زوجته الهستيرية و القوية جسديًّا و كان متورط في علاقة غرامية مع إمرأة أخرى تعمل كاتبة في نفس الشركة التي يعمل فيها ، من خلال قراءة هذه النبذة يُمكن معرفة أن الآنمي كان موجه للبالغين فقط ، التقنية الأساسية التي تم الإستعانة بها لإنتاج الفيلم هي -تحريك القصائص- و قد تم إستعمال السيلولويد لأول مرة في بضعة مشاهد من الفيلم (مشهد العراك الذي دار ما بين الكاتبة و الزوجة و ذلك عن طريق رشها بخرطوم ماء) ، بدون أي سجل متبقي في وقتنا الحالي عن هذا للفيلم ، فمن المتوقع أن مدته كانت 15 دقيقة فقط و ذلك لأن الفيلم تم إنتاجه في حاويتين فقط (غالبًا) و بما أن تقنية التحريك بالقصائص تحتاج كمية كبيرة من الجهد و قوة عاملة عالية فقد إستغرق المخرج بالإضافة لفريقه المكوّن من ثمانية أعضاء ستة أشهر كاملة لينتهوا من إنتاجه.

أول فيلم أنيميشن ناطق : Chikara to Onna no Yo no Naka

 

في عام 1943 قام السيد ماساوكا بإصدار فيلم "Kumo to Tulip " و الذي كان أكثر عمل لديه يعكس واقع الحياة بطريقة مميزة -فن تمثيلي- و قد تم عرض الفيلم في مُختلف المسارح الكبرى في اليابان و ذلك لكونه كان يقوم عن طريق أعمال الآنمي الخاصة به بالدعاية للحرب ، كما كان من المسموح له عرض أعماله في السينما ، الفيلم أحداثه و قصته مُقتبسة من قصة خيالية قامت بتأليفها السيدة " Yokoyama Michiko " ، لم يكن الفيلم مشبع بأحداث و حوارات تُشعل الروح القتالية المرغوبة في قلوب المتابعين مقارنة بأعمال الآنمي الأخرى التي كانت جزءاً في الدعاية لتعزيز الروح الوطنية و تنمية الروح القتالية ، مع ذلك فقد تم الإشادة به و مدحه على نطاق واسع لتصويره للطبيعة بشكل ممتاز و واقعي بالإضافة للعاطفة الشرقية ، تتمحور قصة الفيلم حول خنفساء يافعة تبحث بشكل يائس عن ملجئ وسط حقل من زهور الخزامى و ذلك لكونها مطاردةً من قبل عنكبوت ينوي أكلها ، مع أن الفيلم بالأبيض و الأسود فقط فقد كانت مشاهد الحديقة التي تُعتبر المحيط الذي تدور فيه أحداث الشخصيات الرئيسية شبه مثالية و نجح المخرج في نقل الجمال الساحر للحدائق التي تحتوي على العديد من الزهور فائقة الجمال كما كان التحريك أكثر مرونة و سلاسةً و ذلك لكونه إعتمد على التحريك باستخدام أوراق السيلولويد بدل الإعتماد على تقنية التحريك بالقصائص ، و قد تم إستعمال الكاميرا متعددة المستويات لأول مرة في صناعة الأنيميشن الياباني في هذا الفيلم و التي تشبه تقريبًا الكاميرا التي تم إعتمادها في تصوير مشاهد فيلم " The Old Mill " الذي تم إنتاجه من قبل شركة ديزني العريقة ، حيث يتم التركيز على عمق مجال التصوير بدل التركيز على الحركة في العمق.

 

كاميرا متعددة المستويات

 

مجموعة كاميرات السيد Masaoka Kenzo

 

في 8 ديسمبر 1941 قامت البحرية الإمبراطورية اليابانية بشن غارة جوية على الأسطول الأمريكي الذي تقع قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر و منه نشبت حرب المحيط الهادئ ، في ذلك الوقت قام كل من Masaoka و Mitsuyo Seo ( 1911-2010 ) بالعمل على أول فيلم آنمي ياباني طويل " Momotarou: Umi no Shinpei " عام 1944 و الذي كانت مدته 74 دقيقة و قد تولى ميتسويو سيو إخراج الفيلم بما أنه كان مُكلف من قبل وزارة البحرية اليابانية بإنتاج فيلم دعائي للحرب العالمية الثانية ، بتمويل من الحكومة كانت هذه الفترة تُعتبر ذروة التقنية في صناعة الأنيميشن الياباني قبل نهاية الحرب العالمية الثانية ، بحيث التركيب الذي كان المفضل لدى المخرجين في التصوير هو الدمج -أو الربط إن صح التعبير- ما بين المنظورات الهندسية و البصريات الباليستية ، فقد خلقت هذه الفكرة المُبتكرة -أو التقنية- موقعا جديدًا لعرض مشاهد القتال بطريقة أفضل ، ببساطة فكرة التقنية بشكل عام هي إن كانت هناك دبابة -على سبيل المثال- تتحرك في موقع القتال فأنت كمشاهد بإمكانك النظر من خلال الدبابة المدرعة أثناء إطلاقها النار على الأهداف المُستهدفة ( في الأنميات التي كان يتم إنتاجها في الثلاثينيات كان يعتمد الرسامون على تقنية لعرض المشاهد على المتابع و هي عن طريق عرض كل ما يحصل من خلال تيلسكوب أو المناظير التي تكون متواجدة في طائرات للبحث عن الأعداء و التي تكون مكلفة بمهام عسكرية ).

مجال الرؤية من داخل الدبابة المدرعة

نتفليكس و صناعة الأنيميشن الياباني

0

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

لدى العديد و العديد من المتابعين حول العالم عدة تساؤلات تتعلق بصناعة الآنمي و قد تم تخصيص فقرة تحمل اسم " Answerman " على الموقع الغني عن التعريف " Animenewsnetwork " للرد على هذه الأسئلة بما أن الفريق يضم أعضاء لهم علاقة بصناعة الآنمي الياباني و سيكون هذا المقال بإذن الله البداية للرد على معظم الأسئلة التي تتباذر في ذهن المشاهدين.


سؤال تم طرحه : هل يمكن إعتبار نيتفليكس نقطة إيجابية في صناعة الآنمي ؟

 

 

أحد المتابعين يسئل : تصريحات رئيس Funimation بخصوص حصول منصة نتفليكس على حقوق عرض " Neon " كانت لاذعة جدًّاا ، بالنسبة له و للعديد من المتابعين فإن نتفليكس لن تعطي لمثل هذا الآنمي العظيم حقه ، أليس من المفترض أن يكون سعيد بحصولها على حقوق العرض بما أننا سنشهد عودة الآنمي لعشاق هذه السلسلة و من الممكن أن يجذب متابعين جدد من خلال المنصة ؟


لمن لم يقرأ المقابلة التي تم عملها مع رئيس شركة Funimation فقد صرح " Gen Fukunaga " لـ " Polygon " أن شركته كانت ستقوم بتسويق أفضل بكثير مما قامت به نتفليكس للآنمي و قد حصلوا على حقوق عرض الآنمي فقط لأن لديهم قدرات مالية هائلة مستغلينها في الحصول على حقوق عرض مسلسلات متنوعة


من المعروف بأن شركة فانيمشن كانت لديها رغبة شديدة في الحصول على حقوق عرض السّلسلة بما أنهم حصلوا على الأفلام و بذلوا جهود كبيرة لإعادة توحيد جميع طاقم مؤديي الأصوات من أجل الدبلجة و قد تم التسويق للأفلام بشكل كثيف حتى أنهم قاموا بإعادة دبلجة الفيلم الثالث من السلسلة بشكل سيء (في الغالب المصاريف كانت كبيرة) بعد أن لاحظ استديو " Khara " أن العاملين قاموا بالتعديل على السيناريو بشكل كبير و ملحوظ فقاموا بالإشارة بذلك للشركة التي بدورها -كما قلت سابقًا- قامت بإعادة دبلجته (المحبين شعروا بالأسف تجاه فانيميشن بسبب هذا الأمر) لكن يجب التذكير بأنه قبل تسجيل أي نص من الدبلجة يجب الحصول على موافقة المرخّصين أولًا و التأكد من جودة تلك النصوص المدبلجة ، لهذا السبب بالذات يمكن تفهم تصريحات فوكوناغا نوعًا ما لأن شركته لم تحصل على ما كانت تريده بشدة فهو الآن يستخف بالشركة التي استطاعت الحصول على ما كان يريده طيلة الوقت و لا شك أن هذه الدراما -إن صح التعبير- التي تم اختلاقها من قبل رئيس الشركة لفتت إنتباه العديد من المتابعين و ذلك لأن تعليقاته و تصريحاته بالتحديد قد تم إعادة تدوينها و نشرها من قبل المواقع الإخبارية الشعبية.

لكن هل تصريحاته التي قام بالتصريح بها فعلا صحيحة ؟ هل يمكن اعتبار كلامه منطقي؟ هل المسلسلات التي يتم عرضها على المنصة فعلا تضمحلّ تدريجيًّا و لا يتابعها الكثيرون لأنهم لا يبذلون مجهود كافي في التسويق لها ؟ طبعًا من الصعب الجزم بهذا الأمر و ذلك بكل بساطة لأن نيتفليكس معروف عنها أنها لا تُصدر أي إحصائيات بخصوص العروض التي تعرضها على المنصة (و هذه أكثر نقطة سلبية معروفة عنهم) حتى للأشخاص اللذين قاموا بإنتاج تلك العروض ! أي أنه لا وجود على الإطلاق لأي معلومات مُتعلقة بمدى أداء أو نجاح أي عرض يتم عرضه على المنصة ، حتى إصداراتهم للعروض المسرحية المُقتبسة من أفلام حققت شهرة مثل Roma الذي تم إخراجه من قبلAlfonso Cuarón لا يوجد أي معلومة تدل أو تعطي فكرة عن مدى نجاح الفيلم على المنصة ، فبدلا من أن يتم إصدار الفيلم بشكل طبيعي فإن نيتفليكس تقوم بتأجير دور سينما " four-walling " و ذلك لعدم تبليغ خدمات مراقبة مبيعات شباك التذاكر ( Box office ) عن الأرباح التي حققها العمل على المنصة.

 

” تنويه : Four walling بإختصار هو مصطلح يشار به لإجراء يتولى مسؤوليته ناشر الأفلام و ذلك بتأجير مسرح لفترة موازية لمدة الفيلم و يحتفظ بجميع إيرادات التذاكر بدلا من مشاركتها مع مالك المسرح 


لهذا السبب بالذات بدأت موجة من الشكوك في هوليوود و بين منتجي الآنمي بأن الشركة تخفي تلك الإحصائيات و الأرقام لسبب معين ، ما لا شك فيه أن مسلسلات مثل " Orange is the New Black " و " Stranger Things " حققت شعبية واسعة و ضخمة جعلتها تشكل مجموعة لا يستهان بها من الأفكار و المعقتدات + المشاعر إلخ… في المجتمعات ( تسمى هذه الأخيرة بـ " روح العصر " أو ثقافة zeitgeist ) ، و مع ذلك فإن هنالك مئات (ربما الآلاف) من العروض و المسلسلات التي تنتجها نتفليكس أو تقوم بترخصيها بشكل حصري لم يسمع بها أحد من قبل ، تحصل بعض العروض التي تكون رفيعة المستوى (كتابيًّا أو إخراجيًّا) على تسويق مكثف ولكن معظمها يتم نشرها بدون أي إشعار يذكر و على ما يبدو أن الكثير منها يتم تجاهله أو نسيانه ، النّظرية السائدة عند التعامل مع شركات التكنولوجيا السرية هي أنه إذا حقق المشروع نجاح ممتاز أو جيد بما فيه الكفاية فإنهم يتفاخرون بذلك للعلن بالأرقام التي حققها ، لكن إذا لم يحقق المشروع التوقعات المرجوة أو فشل فعادة ما يلتزمون الصمت.


نظرًا للعدد الهائل من المشتركين في المنصة فقد أصبحت نتفليكس مهيمنة بشكل كبير لدرجة أن الاستديوهات العملاقة مثل " Disney " تقاطعهم و ترفض ترخيص المحتوى لهم ، تُنفق نتفليكس مبالغ هائلة سنويًّا على المحتوى المقدم (في عام 2018 تم الإبلاغ أنهم أنفقوا 10 مليار دولار ، 2 مليار دولار منها تم إنفاقها لتغطية العجز) ، في الغالب يعود ذلك لعدم رغبتهم في اللجوء للمنتجين التقلديين مثل استديوهات هوليوود الكبرى و تقديم عروضهم الخاصة فقط ، و مع كل هذا يبقى عدد المتابعين اللذين يتابعون تلك العروض مجهول تمامًا و لا يمكن الجزم إذا كان الناس يلتزمون بمشاهدة تلك العروض الخاصة بنتفليكس فقط ، لهذا السبب يُعتبر الآنمي إضافة مهمة لنتفليكس و ذلك لأن محبي و عشاق الآنمي شغوفين بهذه الصناعة لدرجة أن عرض آنمي (مستواه الإخراجي و القصصي ممتاز) سيكون كافي لضمان تواجدهم باستمرار على المنصة ، الحصول على آنمي مثل Evangelion مهم جدا كما أن الطلب عليه محدود لدرجة كبيرة و هذا الأمر لحاله يكفي ليعطي انطباع للمتابعين بأن نتفيلكس يمكن إعتبارها (مستقبلًا) وجهة للآنميشين الياباني (الآنمي) و سابقًا تم ذكر أن نتفليكس لا تهتم أساسًا إذا كان المشترك لديهم يشاهد الأعمال التي يتم عرضها على المنصة بقدر ما يهتمون بما يقوم بإضافته لقائمة الإنتظار الخاصة به، فعند إضافة المشترك لمسلسل معين إلى قائمة الإنتظار فهذا يضمن لهم استمراره في الدفع مقابل الاشتراك و آنمي عظيم كـ Evangelion و الذي حقق شهرة واسعة في ساحة الآنمي سيكون مهم جدا بالنسبة لهم لأن أي أحد مهتم و لو قليلا بالآنمي سيشعر أنه بحاجة لمشاهدته و لو لمرة واحدة على الأقل.


هناك إشاعة قديمة مفادها أن الآنمي لا يحتاج مجهود كبير للتسويق و ذلك لأن المعجبين بهذه الصناعة يستمرون بالتكلم عن جديد الأعمال فيما بينهم بالإضافة للصحفيين الشغوفين بهذا المجال و اللذين يقومون بنشر معلومات شاملة عن تلك الأعمال و التي تجعل المتابعين على دراية شاملة عنها لهذا يُعتبر الإعلان عنها مرة أخرى مجرد مضيعة للوقت ، يُمكن إعتبار هذا الشيء صحيح بالنسبة لبعض الأعمال -في الغالب- لكن يجب الأخذ بعين الإعتبار أن هناك مئات الآلاف (إن لم يكن الملايين) من المتابعين اللذين لا يعيرون اهتمام كبير بالآنمي و يتابعون فقط الآنميات التي تثير إهتمامهم سواءً من ناحية القصة أو الإخراج أو التحريك + الرسم أو الآنميات التي حققت ضجة كبيرة في ساحة الآنمي من قِبل المتابعين و الصفحات ، مع ذلك مثلما قلت سابقًا فهذا النوع من المتابعين يكون اهتمامهم محدود بهذه الصناعة فمن بين جميع الشركات التي تقوم حاليًّا بالتسويق للآنمي ، فقط شركة Funimation التي تبذل مجهود كبير للوصول لهذه الفئة من المتابعين بشكل منتظم ، يُمكن القول أن نتفليكس حاليًّا لا تعير إهتمام كبير بالتسويق لعدة عروض لديهم لكن عندما يبدي الجمهور إهتمام تجاه عمل معين فإنهم يقومون بتسليط الضوء بشكل كبير عليه و يبذلون كل جهودهم للتسويق له لدرجة أن شركة Funimation لا يمكن حتى أن تحلم بالوصول لمستوى ذلك الحجم من التسويق ، حسنا تريدون دليل على ذلك ؟ فقط ألقوا نظرة على التريلر الرسمي الخاص بهم لآنمي Evangelion و الذي حقق حتى يومنا هذا أكثر من مليون و 900 ألف مشاهدة على قناتهم باليوتيب ، 3.06 مليون مشاهدة على تويتر و 2.8 مليون على فيسبوك ( ممكن يكون العدد الآن أكثر نظرا لكون المقالة الأصلية تم كتابتها عام 2018 و بالمناسبة هذا العدد الهائل من المشاهدات تم تحقيقه في ظرف أسبوعين فقط من نشره ) عمومًا فهذا شيء لا يستدعي الإستغراب بشكل كبير نظرًا لكون عدد لا يحصى من المواقع الترفيهية المشهورة تكلمت عن حصول المنصة على حقوق نشر الآنمي و يمكن إعتبار هذا الأمر فعلًا ظاهرة كون آنمي Evangelion إخراجيًّا و كتابيًّا شبه مثالي و Netflix التي يُمكن إعتبارها شركة رائدة في التسويق ، لذلك فهي لا تحتاج لمساعدة أو تدخل شركة Funimation و لا يبدو أنه يوجد شيء تفتقده الشركة لإصدار هذه السلسلة عكس ما يحاول رئيس شركة فانيميشن إيصاله من خلال تصريحاته و من الواضح أصلًا أن شركته لا تستطيع التسويق بشكل أفضل مما قامت به نيتفليكس للسلسلة (حاليًّا على الأقل).

 

عمومًا لاختتام هذا المقال لأني أشعر أنني فعلًا أطلت عليكم فالشعور بالقلق تجاه الآنميات التي تعد مشهورة و إخراجيًّا ممتازة بشهادة العديد من المتابعين لا داعي له أساسًا ، بكل بساطة تلك الآنميات سبق وحققت نجاح هائل قبل حتى حصول نتفيلكس على ترخيصها و حتى الآنميات التي قامت بتمويلها كمثال آنمي Violet Everagden الذي حقق نجاح باهر لا يمكن لأحد إنكاره و حتى مستواه القصصي و الإخراجي كان جيد ، لكن الشعور بالقلق يجب أن يكون موجه لتلك الآنميات التي لم تلقى أي اهتمام كبير من المتابعين ففي النهاية آنمي Eva لن يفقد بريقه و مكانته إذا تم عرضه على المنصة لكن الآنميات ذات الشعبية البسيطة فقدت مكانها مسبقًا على المنصة و تم إهمالها تمامًا.

هيـمنة الساموراي و الـحرب الأهليـة (الجزء الثـاني)

0

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في المقال السابق تحدثنا عن نشأة الحضارة اليابانية بشكل مُختصر قدر الإمكان و اكتسبنا مع بعض عدة معلومات عن هذه الحضارة و جزء بسيط جدا من تقاليدهم ، في هذا المقال سنُكمل رحلتنا الشيقة و ذلك بالتحدث عن طبقة الساموراي الغنية عن التعريف و بطبيعة الحال سيتم إختصار المقال قدر الإمكان ،استمتعوا.

إنكشاف و إنهمار السلطة و القوة بين مُختلف الفصائل في اليابان أملا التاريخ المحلي لمُعظم القرون التالية و بنفس الطريقة اعتمد الإمبراطور على ولاء العائلات العسكرية التي تتمع بقوى لا تضاهي باقي العائلات و قد كان هذا الأمر بمثابة وصفة مثالية للتنافر المدني ، حقيقة كون سلطة الشوغون وقتها كانت مستقرة جزئيًّا في ولاء العديد من الدايميو (كبار الزعماء الإقطاعيين) عجلت بشكل ملحوظ في تبديد هذا النوع من السلطة ، كما لعبت القوى الخارجية و تحديدًا محاولات الغزو من قبل القوات المغوليّة في الفترة ما بين 1274-1281 دورًا بارزًا في إضعاف قبضة السلطة و القوة التي كان يتمتع بها الشوغون ، في حين كان المنتصرين بالمعارك التي كانت تدور بين العشائر يقومون بتوزيع الأراضي و الغنائم كمكافآت لقوات الساموراي المُخلصة لهم فقد كانت القوات الغازية لا تقدم أي أراضي أو تتنازل عنها و تترك عدد قليل جدا من الغنائم مما أدى إلى السخط و إضعاف العلاقة بين الساموراي و الشوغون.

السامــوراي أثناء صــدهم للغــزو المغولـي
 

بحلول نهاية القرن الخامس عشر شهدت البلاد حرب أهلية معروفة باسم " sengoku-jidai " و على مدى المائة عام التالية كانت العشائر المُنتشرة في كلِّ أنحاء البلد و التي تتمع بقوة و سلطة عالية تتنافس فيما بينها لتعزيز مكانتها في الساحة السياسية ، هذه العشائر كان لها بعض القوانين الخاصة بها و التي غالبًا ما تكون لها الأسبقية على قوانين الحكومة بل في بعض الحالات قاموا بإصدار عملتهم الخاصة و التعامل بها ، هل هذا يعني أن سلطة و نفوذ الإمبراطور و الشوغون إندثرت و اختفوا من الوجود ؟ الجواب بطبيعة الحال لا لكن سلطتهم في أحسن أحوالها كانت محدودة على بعض نطاقات الدايميو ، و مع ذلك فقد استمر الدايميو في إظهار ولائهم و احترامهم لأسيادهم السابقين (فقط بالكلام) و يُمكن إعتبار ذلك فقط مناورة -سياسية- و خوف من أن يتورطوا في صراع دائم على السلطة معهم  و ليس شعور صادق يملؤه الصدق و الولاء.

 خلّفت فترة " Sengoku-Jidai " بصمتها على المناظر الطبيعية بحيث تقدمت الزراعة بشكلٍ ملحوظ و ذلك لكون الدايميو حاولوا الاستفادة من الأراضي التابعة لهم لأقصى حد ممكن ، كما كانت القِلاع التي يتم بنائها في المناظر الطبيعية بارزةً للعين سعيًا منهم في تعزيز دفاعاتهم و إبراز مدى قوتـهم للأعداء أو القوى الخارجـية ، في الحقيقة العديد من القلاع اليابانية الشهيرة تم تشييدها في هذه القرون التي شهدت حروب أهلية ( قلعة هيميجي-1333 ،أوداوارا-1447 ،ماتسوموتو-1504 ).

Himeiji Castle

Odawara Castle

Matsumoto Castle

 في نهاية المطاف تمَّ توحيد اليابان على يد ثلاثة رجال و هم : أودا نوبونوغا - تويوتومي هيديوشي و توكوغاوا إيياسو.

Oda Nobunaga

Toyotomi Hideyoshi
 
Tokugawa Ieyasu


لحدود الساعة يُمكن اعتبار أودا نوبوناجا الأكثر وحشية من بين هؤلاء الثلاثة ، كون البلد كانت تمر بحرب أهلية فقد كانت هذه الميزة تُعتبر شرط أساسي في شخص يسعى جديًّا في إعادة توحيد اليابان من جديد و ذلك من خلال استعمال العُنف و فرض القوة ، ولد في ناغويا و قد كان والده نائب الحاكم العسكري و تولى بعد وفاة والده (عام 1551) السيطرة على أراضي العائلة و أصبح مسؤولًا عنـها ، في غضون ست سنوات قام بقتل عمه و شقيقه الأصغر سنًّا (كونهم حاولوا الانقلاب عليه و الاستيلاء على السلطة) و بدأ حملة تغلغلتها طرق قاسية و عديمة الرحمة لتوسيع نطاق أراضيه ، مع العلم أنه أظهر بعض الرحمة لأولئك اللذين اعترضوا أو عصوا أوامره و تعرضت الطوائف البوذية العسكرية (على وجه الخصوص) لتقصير ملحوظ لمدة زمنية بسيطة مما جعل عائلة  نوبوناجا هدفا شخصيًّا على ما يبدو لإبادتهم من الجذر.

من سخرية القدر أنه في حين كانت التأثيرات الأجنبية عاملًا محفزًا في إضعاف قوة الشوغون و اندلاع الحرب الأهلية ، إلا أنها وفرت أيضا الشيء الذي سيكون عاملًا مساعدًا في إعادة توحيد البلد : البندقية ، أودا كان مدرك تمامًا أن التكنولوجيا الحديثة سيكون لها تأثير ملحوظ في ساحة المعركة فحتى قبل وفاة والده قام بطلب 500 تانيغاشيما ( قربينات يابانية - سلاح ناري مبكر يـُعبئ من الفوهة استخدم بين القرنين الخامس عشر إلى السابع عشر ) تم تصنيعها في اليابان و ضمن أن يكون السلاح الأساسي في جيشه المُتضخم.

 عند ملاحظة الشوغون لمدى قوة نوبوناغا التي كانت تنمو و تتطور شيئًا فشيئًا حاول إسترضائه و ذلك عن طريق تقديم منصب " نائب الشوغون " ، بعد فشل هذا الأمر قرر أودا إتخاذ موقف مع دايميو آخر مما أدى فيما بعد لتفاقم الوضع و قيامه بمحصارة العاصمة كيوتو و إحراقها عام 1573 و قام بإجبار الشوغون على الفرار للمنفى بعد إنقاذ حياته بشكل غير معهود ، بعد تسع سنوات تقريبًا حلَّ موعد وفاة نوبوناجا الوحشية -إن صح التعبير- (قام باللجوء للسيبوكو -طقوس انتحارية- كطريقة لإنهاء حياته و ذلك بعد تعرضه للخيانة و محاصرته على يد أحد أتباعه) ، بطبيعة الحال قبل وفاته كان قد حقق مكاسب إقليمية عديدة كانت بمثابة الأساس لخلفائه " تويوتومي هيديوشي و توكوجاوا ايياسو " في توحيد البلد من جديد.


السيبوكو (ترجمتها الحرفية هي قطع الأحشاء) هذا الفعل كان معروفا ً لدى مقاتلي الساموراي الذين يؤمنون بضوابط قانون البوشيدو و كانوا يلجئون له لتفادي الوقوع في أيدي العدو أو لمسح عار الهزيمة و كان يُعتبر قيام الساموراي بهذا العمل يكفر عنه خطئه ودليلا عن النبل والطاعة ، في كثير من الأحيان كان الساموراي يعين أحد المقربين له ليقطع رأسه بضربة سيف بعد أن يقوم ببقر بطنه بنفسه

Tokugawa Ieyasu (1543-1616)

 

نشأ كلٌّ من تويوتومي هيديوشي و توكوغاوا إيياسو بشكل واضح على ظلال نوبوناغا ، فقد وُلد هيديوشي عام 1537 لجندي من جنود نوبوناغا المشاة ، كان استراتيجي لامع و عبقري شق طريقه بنفسه ليُصبح أحد أكثر مساعدي نوبوناغا الموثوقين ، إيياسو كان أصغر من هيديوشي بست سنوات و قد وُلد عام 1543 لـلورد مقاطعة ميكاوا الشاب (جزء من محافظة آيتشي في الوقت الحالي).

تُعتبر السنوات الأولى من حياة " إيياسو " مادة دسمة لوصف الأوقات العصيبة التي كانت تعيشها البلد عند قُرب نهاية فترة سينغوكو جيداي ، في سن السادسة تم إرسال إيياسو من قبل والده لعشيرة إيماغاوا بإعتباره رهينة لهم مقابل دعمهم في التصدي لهجمات عشيرة أودا (نفس العشيرة التي من شأنها أن تأتي للسيطرة على المنطقة تحت قيادة أودا نوبوناغا لاحقًا) ، عند معرفة أودا نوبوهيدي -والد الموحّد نوبوناغا- بهذه الخطة قام بإلقاء القبض على إيياسو و هو في طريقه ثم باشر في تهديد والد إيياسو بإعدام ابنه في حال لم يقطع علاقاته مع عشيرة إيماغاوا (والد إياسو رفض رفضًا قاطعًا هذا الأمر و كان رده - لو تم إعدام إبني فهذا سيكون بمثابة شهادة قوية على مدى قوة العلاقات بيننا) على الرغم من هذا الرد الذي يُعتبر تحدي صارخ ، لم يفقد إيياسو حياته بطريقة ما و ظل أسيرًا لعشيرة أودا.

عند وفاة نوبوهيدي سنة 1551 شهدت قبضة عشيرة أودا على السلطة تعثر بسيط و مؤقت فاستغلت عشيرة إيماغاوا الفرصة لتطويق معقل عدوهم ، كان أودا نوبوناغا الوسيط في الصفقة التي أدت إلى إنهاء الحصار مُقابل إطلاق سراح إيياسو ، و هكذا في سن التاسعة بعد أن تم نقله من آسر لآخر واصل إيياسو طريقه الأساسي لميدان عشيرة إيماغاوا ، نشأ إيياسو ليكون محاربًا عظيمًا و صنع لنفسه إسمًا و مكانة أثناء قتاله لعشيرة أودا نيابة عن عشيرة إيماغاوا ، لكنه بطبيعة الحال لم يكن لديه أيّ ولاء عميق لهم فقرر أن يقتل زعيم عشيرة إيماغاوا أثناء هجوم كان قد شنه أودا نوبوناغا.

بـعد وفاة نوبوناغا عام 1582 برز هيديوشي كخليفة له و كان إيياسو يعمل تحت قيادته و إمرته ، هيديوشي كان أرحم من سلفه و فضّل أن ينهج نهجًا أكثر دقة لتهدئة المنافسين له كتبني أبنائهم و السماح لأعدائه المهزومين بالإنضمام لقواته و مع ذلك فقد كان كل همه و تركيزه على التوسع الإقليمي : فقد قام بغزو شيكوكو عام 1585 و كيوشو عام 1587 قبل أن يُغير وجهته و يحول إنتباهه للخارج -لكوريا بالتحديد- ، فقد قام بإرسال 160 ألف جندي عام 1592 و 140 ألفًا آخرين عام 1597 ، هذه الرحلات الخارجية التي كانت نهايتها الفشل الذريع ستُشكل فيما بعد عائق كبير لـهيديوشي بل نتيجة لأفعاله هذه تسبب في زرع بذور الإستياء في كوريا بشكل دائم و هي التي كانت تعيش ويلات الدمار من الحرب.

بصرف النظر تمامًا عن دوره الكبير في توحيد اليابان من جديد ، للآن يُذكر هيديوشي بسبب الـ "كاتانا-جاري" (النصل المُتعقّب) الذي قام بإصداره و هو مرسوم أجبر الساموراي على العيش في المدن مع الدايميو و منع المزارعين منعًا باتًا من حمل السلاح و قد أدى إلى اِستئصال قواعد سلطة الساموراي المُستقلّة و ضمان عدم تمكن أي شخص -مهما كان- من الإستيلاء على الأراضي بالقوة.

إيياسو لم يكن لديه ولاء قوي تجاه هيديوشي و لذلك في غضون عامين من تولي هيديوشي السلطة قرر إيياسو دعم مطالبة أحد أبناء نوبوناغا " أودا نوبوكاتسو " أنه الوريث الشرعي لنوبوناغا و هو الأحق بالسلطة من هيديوشي ، بطبيعة الحال  تبع ذلك الأمر سلسلة من المعارك و القتالات التي كانت نهايتها مفاوضات السلام و مع ذلك انضم هيديوشي و إيياسو عام 1590 إلى قوات أداوارا التي كانت تحاصر بعض المقاطعات (منطقة كانتو التي شملت إيدو -طوكيو حاليًا-) التي كانت تحت سيطرة عشيرة هوجو و ذلك لهدف ضمها لهم ، لكن فيما بعد تم إبرام صفقة بين الجانبين اللذين شهدا تخلي إيياسو عن مقاطعاته الجنوبية الخمسة مقابل منطقة كانتو الغير مطورة آنذاك ، هذا سيكون العامل الحاسم في صعود إيياسو للسلطة لاحقًا. 

 في هذه المرحلة بالذات و مع حظر الجانب الشمالي من قبل إيياسو ، وجه هيديوشي كل تركيزه و إنتباهه على كوريا و هو الأمر الذي أدى إلى ضغط ليس بالهيّن على موارده و ترك إيياسو حراً في التركيز على إدارة و تطوير سهول كانتو الغنية و هي المهمة التي أثبت فيها مدى جدارته و مهارته بشكل خاص ، بعد وفاة هيديوشي عام 1598 ، أعطت قاعدة القوة هذه في نهاية المطاف إيياسو الأسس التي تُمكنّه من الإنتصار في معركة سيكيغاهارا في عام 1600 و حمل لقب شوغون ، مما يمُهّد و يُبشّر بقيام عصر جديد يُعرف باسم "فترة إيدو" و قد استمر نظام توكوغاوا باكوفو (Tokugawa shogunate) بحكم اليابان لأزيد من 250 عام.

و بهذا نكون وصلنا لنهاية ثاني فقرة من سلسلة التعريف عن التاريخ الياباني بشكل مُختصر و لقاؤنا بإذن الله سيتجدد مع الفقرة الثالثة من السلسلة قريباً ، دمتم في أمان الله و حفظه.

نشأة و بزوغ الحــضارة اليابانـية (الجزء الأول)

0

 


 
يُقال بأن أول البشر اللذين ساروا على أرض اليابان من البر الأساسي كان قبل 35 ألف سنة قبل الميلاد في وقت كان فيه الطرف الشمالي الغربي من هوكايدو متّصلاً بالأطراف الشرقية لروسيا، و قد أدت الأدلة على الأواني الفخارية المفتولة و أسس المجتمع المبدئية إلى أول فترة موثقة في اليابان " فترة جومون " و قد كان جومون عصرا ذا خصوبة فنية كبيرة تتسم بالسعي وراء الزخرفات التزيينية الأصلية و قد كانت ثقافة هذا العصر الأفضل منذ 10 آلاف سنة قبل ظهور الشعوب الأكثر تقدما
فترة جومون هو وقت في عصور ما قبل التاريخ الياباني و الذي يعود تاريخه تقليديا بين 14 إلى 300 ألف قبل الميلاد و قد تم تنقيحها مؤخرا إلى حوالي ألف قبل الميلاد و قد كانت هذه الفترة غنية بالأدوات و المجوهرات المصنوعة من العظام و الحجر | القشر | القرن و التماثيل الفخارية و الأوعية.


لن أتعمق أكثر في الحديث عن هذا العصر (من الممكن أن أخصص تدوينة خاصة لها مستقبلا) و لكن الآن لنتحدث قليلا عن الحضارة النيوليثية الجديدة والتي حلت محل حضارة جومون و تدعى بـ (حضارة الـيايوي) و قد وصل أصحاب هذه الحضارة تباعا إلى اليابان الوسطى عن طريق البحر الداخلي ثم إلى سهل كانتو عن طريق السواحل الشرقية و أخيرا بلغت شمالي البلاد ثم بدؤوا تدريجيا في السيطرة على مناطق جنوب اليابان حتى شمال هانشو و من المفهوم حاليا أن اليابانيين أسلاف التهجين بين هؤلاء السكان الأوائل ، و قد تميزت هذه الحضارة تميزا أساسيا عن ثقافة جومون بسبب ظهور اقتصاد زراعي مبني على زراعة الرز المسقي و الذي استمر دون تغييرات كبيرة حتى عصرنا الحاضر أما في المجال الفني فإن منتجات عصر يايوا هي آنية فخارية ذات طوق أو مصنوعات من البرونز و الحديد ذات إلهام صيني في غالب الأحيان.
 
شهدت القرون التالية من الحضارة اليابانية ظهور بنية إجتماعية مركزية و كذلك أدوات برونزية و حديدية بدائية و كذلك تقنيات زراعية ( زراعة الأرز هي الأبرز) ، عموما فقد كان تجميع الأجزاء الأثرية لتشكيل صورة دقيقة عن المجتمع الياباني في هذا الوقت صعب جدا و ذلك لأنه لا توجد أي وثائق مكتوبة أو سجلات توثق تلك المرحلة من التاريخ ، في الواقع السجلات الوحيدة التي كانت متوفرة عن اليابان قبل القرن الثامن مصدرها الأساسي هي النصوص الصينية و التي تشير لبلد يسمى وا في الشرق و المعروف هو أنه بحلول عام 250 بعد الميلاد ظهرت دولة حاكمة سيطرت على الأرض من شمال كيوشو إلى سهول كانتو و حكمت كذلك من محافظة نارا الحديثة ، و قد شهدت هذه القرون المبكرة كذلك ترسخ ديانة الشينتو (الطريق للآلهة) بطبيعة الحال لن أتكلم بالتفصيل عن هذا الدين الذي يعتبر دين أصيل في اليابان لكن سأقدم لكم بضعة معلومات عنه إذ أن أتباع هذه الديانة يعبدون آلهة و أرواح متعددة لها إرتباط بالطبيعة مثل الجبال - الأشجار و الصخور كما أنهم يؤمنون بأن هذه الآلهة و الأرواح تتجلى في ظواهر طبيعية مثل الرياح و الرعد و بطبيعة الحال ليس لعقيدة التوحيد مكان في الشنتوية حيث تقوم كل مجموعة بتحديد الكامي ( الآلهة ) ليتواصلوا معها فيرهبونها و و يطلبون منها كل ما يحملونه في أنفسهم ( طمئنينة – خير – توفيق الخ... )  فالصيادون على سبيل المثال يختارون كامي البحر و الحطابون الأشجار و الفلاحون كامي المطر وهكذا، بالنسبة لشعب كان وجوده يعتمد بشكل كبير على محصول الأرز فإن تطور الدين مع الطبيعة يبدو من منظور ما منطقي ، في الواقع يُعتقد بأن لقب الإمبراطور إِنبعث من منصب رئيس كهنة الشنتو و الفولكلور ( الذي يقدم الحسابات التاريخية الوحيدة لبدايات اليابان ) لمح بأن الإمبراطور الأول ينحدر من آلهة الشمس أماتيراسو و على الرغم من أن الخيال يفسح مجال لحقائق غير واضحة في النصوص التاريخية اللاحقة إلا أن هذه الفكرة التي مفادها بأن الإمبراطور ينحدر من الآلهة استمرت طوال آلاف السنين حتى أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية الإمبراطور هيروهوتو الإعلان عن إنسانيته للأمة كاملـة.
 
من جهة أخرى تُعتبر الديانة البوذية و التي دخلت اليابان عن طريق كوريا في منتصف القرن السادس دين رئيسي هو الآخر و ذلك عندما أرسل سيونغ بايكجي الذي يُعتبر ملك إحدى المملاك الثلاث في كوريا بعثة إلى نارا و بحوزتهم تمثال بوذا و بعض نسخ السوترا ، في البداية واجهت البوذية عقبة صغيرة في ذلك الوقت فقد تم إلقاء التمثال في البحر بعد تفشي الطاعون في الأرض و ذلك إعتقاد منهم بأن آلهة الشمس قد جلبت لهم هذا الوباء كعقاب لعبادتهم إله أجنبي و غير مألوف و يدمرون إثر ذلك أرضهم ، كان تبنّي عشيرة السوغا للديانة البوذية ( بجانب صعودها لاحقا للسلطة ) العامل الأكبر و الرئيسي لإنتشار البوذية في جميع أرجاء اليابان و في حين كانت البوذية و الشنتو يشهدان إنتشار في أنحاء البلد و يشكلون طقوسات و معتقدات بشكل مشترك بين عامة الناس فإن تعاليم كونفيشيس ( التي عبرت من كوريا مع نظام الكتابة الأول ) وفرت الإطار لنظام إداري و قانوني، يجدر الذكر بأن المادة الدستورية السابعة عشر و التي تم كتابتها من قبل الأمير شوتوكو في عام 604 بعد الميلاد بالإضافة لإصلاحات تيكا اللاحقة في عام 645 بعد الميلاد أدت إلى إصدار أول دستور في اليابان المستند تقريبا بشكل كامل من الريتسوريو.


  ⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆

لن أتكلم بشكل تفصيلي عن نظام ريتسوريو أو " Ritsuryō " لكن كتعريف مختصر عنه فهو نظام قانوني من القوانين الجنائية و الإدارية المتأثر بشكل كبير من الكونفشيوسية فقد أعطى أهمية لمبدئ النظام الأبوي و أرسى الأسس لمجتمع يهيمن عليه الذكور

⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆♦⋆


في بداية فترة ( هيان ) "1185-794" أدى إخضاع شعب إيميشي الشمالي (يعتبرون أحفاد جومون المبكر اللذين ظلوا فترة كبيرة خارج نطاق نفوذ الحكومة في الجنوب) إلى توحيد اليابان بشكل أكبر كما تم نقل العاصمة من نارا إلى مدينة هيان (كيوتو الحالية) حيث إستمر الحال هكذا حتى عام 1868 و قد شهدت فترة هييان إنتشارا للفن و الثقافة (خاصة الشعر و الأدب) و قد منحها التاريخ صورة رومانسية لحد ما . جدير بالذكر أن الرواية الملحمية " حكايات جينجي " و التي تعتبر أول رواية حديثة في العالم تم كتابتها و تأليفها خلال هذه الفترة كما شهدت الواكا إزدهارا في نفس الفترة (الواكا تُعتبر نوع من القصائد اليابانية القصيرة) لكن الصعود التدريجي لفئة الساموراي كان الحدث الذي من شأنه أن يستمر في تشكيل معظم التاريخ الياباني خلال الألفية الثانية و الذي اشتهرت به فترة هيان.


فكرة وجود حكومة مركزية في كيوتو يترأسها الإمبراطور لم تشكل صورة حقيقية عن المشهد السياسي في هذه الأوقات فالحقيقة هي أن الجنرالات بجيوشوهم الخاصة كانوا يسيطرون على مناطق خارج كيوتو و مع نهاية التجنيد سنة 792 بعد الميلاد إضطر الامبراطور للإعتماد على هذه القبائل لدحر التمردات والحفاظ على هيمنته ، لم تكن قبضة الإمبراطور على السلطة قوية وقتها بحيث كان يقدم تنازلات بإستمرار مقابل ولائهم له و بالإمكان رؤية هذا الضعف التدريجي للقوة المركزية من خلال الشوين (The Shoen) ، مع إدماج نظام الريتسوريو في منتصف القرن السابع تم الإعلان بأن جميع الأراضي هي ملك للحكومة و التي سيتم فرض ضرائب عليها لدعم الإدارة ، من جهة أخرى فالأراضي المصنفة على أنها ( شوين ) كانت معفاة من دفع الضرائب و عُرضت كمكافأة لكل من يتعهد بالولاء للإمبراطور و بحلول القرن الثاني عشر تم تصنيف حوالي نصف الأراضي الصالحة للزراعة في اليابان على أنها (شوين) مما أدى إلى تآكل تدفق الإيرادات إلى الحكومة بشكل كبير.


من المهم التراجع خطوة للخلف و نضع ديناميكية السلطة بين الحكومة (أو العشيرة الحاكمة) و الإمبراطور في سياق معين لأن ذلك يساعد على توضيح سبب عدم فقدان الإمبراطور لمنصبه كالرئيس الأسمى لليابان على الرغم من الصراعات الداخلية على السلطة و صعود الساموراي على مدى القرون التالية ، كما سبق و ذكر في التقرير فإن الاعتقاد الراسخ و الذي كان سائدا هو أن الامبراطور ينحدر من آلهة الشمس أماتيراسو و هو أمر تم توثيقه حتى في الكوجيكي ( سجل الأمور القديمة ) أقدم  نص تاريخي موجود في اليابان (أوائل القرن الثامن) و بإعتباره الممثل السماوي للشعب أعطى الإمبراطور الشرعية للحكومة الحاكمة و هي واجهة يمكنهم من ورائها سحب الخيوط السياسية للإدارة ، فلنأخذ على سبيل المثال محاولة اغتيال الإمبراطور فهذه المحاولة التي من شأنها الحصول على السيطرة الكاملة لن تفتح على الجناة سوى أبواب الاتهامات اللادعة و بأنهم مسؤولين غير لائقين أو أكفاء لليابان كما ستسمح للفصائل المتنافسة بالوصول لعرش السلطة بكل بساطة و هكذا في حين كانت قوة الإمبراطور تتضاءل فقد كان محميا بهذه العباءة أسطورية (إن صح التعبير) و لم يكن بمقدور أي أمير حرب (جنرال) ذو بصيرة محدودة مهما بلغ جبروته و قسوته إجتيازها.
عندما غدا ميزان القوى خارجيا أصبحت الحكومة بشكل كبير و واضح تُشكل جانب سلبي في الصراعات التي تدور خارج كيوتو فقد أثار نزاع الخلافة للإمبراطور في عام 1155 سلسلة من الأحداث التي استمرت لأربعين عاما و انتهت مع ميناموتو نو يوريتومو لتتأسس بعدها الكاماكورا بافوكو (أول شوغون في اليابان) و الحصول على لقب سيي-تايشوجين (فاتح البرابرة) من الإمبراطور جو-توبا و ذلك في عام 1192 و جدير بالذكر بأن طبقة ( الساموراي ) في الحقيقة هم اللذين سيكونون الحكام الفعليين للبلاد و اللذين يعملون بشكل أو بآخر بشكل مستقل عن البلاط في كيوتو لمدة 700 عام حتى إستعادة ميجي في عام 1868 و إعادة توطيد السلطة مرة أخرى في أيدي الإمبراطور.

――――――――――――――――――――――――
و بهذا تكون نهاية أول فقرة أو جزء من سلسلة التعريف عن التاريخ الياباني بشكل مُختصر و لقاؤنا بإذن الله مع الجزء الثانـي قريباً.

――――――――――――――――――――――――

مـا قـبـل البدايـــة

0

  السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
قبل بداية رحلتنا بين طيات التاريخ و الثقافة اليابانية وجب علي التنويه أنني في البداية سأقوم بتخصيص خمس تدوينات تعطيكم أنتم القراء لمحة عن تاريخ اليابان في خمسة فترات تاريخية بارزة ، وسيكون بإذن الله هذا الملخص عبارة عن نظرة أساسية على الماضي  المُشوش الذي عاشته البلاد ، كما سيتم التطرق لبعض الأسس التي يمكن من خلالها فهم عادات و ثقافة اليابان الفريدة من نوعها مقارنة بين باقي الحضارات و لقائنا بإذن الله تعالى سيتجدد مع أول تدوينة و التي ستكون بعنوان " نشأة و بزوغ الحــضارة اليابانـية -الجزء الأول- " و بطبيعة الحال عند إنتهائي من كتابتي للتدوينات الخمس سأقوم بإرفاق المصدر في آخر تدوينة منهم.
 
في أمان الله تعالى